إنها
مدينته!

يوسف العتيبة هو الرجل الأكثر سحرًا وتأثيرًا في واشنطن

Otaiba

يوسف العتيبة هو الرجل الأكثر سحرًا وتأثيرًا في واشنطن: إنه ماكر وداهية، وإذا تمكن من شق طريقه، فإن سياستنا نحو الشرق الأوسط ستصبح أكثر عدوانية.

كتب: ريان غريم وأكبر شهيد أحمد

في سبتمبر/آيلول الماضي، اجتاح مقاتلو تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) المزيد من مدن سوريا والعراق. في ذلك الوقت عقد البنتاغون اجتماعًا شديد السرية لمناقشة الاستراتيجيات الممكنة لمواجهة هذا الأمر؛ بعد دعوة وجهها مجلس السياسة الدفاعية والذي شمل وزير الدفاع ومجموعة صغيرة من السياسيين رفيعي المستوى بما فيهم مستشار الأمن القومي السابق زبغنيو برزينسكي ومادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية سابقًا، بالإضافة إلى رايان كروكر والذي شغل منصب السفير الأميركي في العراق. كل هؤلاء اجتمعوا معًا في قاعة المؤتمرات في مبني البنتاغون.

كان مطلوبًا من الخبراء الذين تم اختيارهم لهذه المقابلة محاولة الوصول لحل للأزمة الأكبر التى يمر بها الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الأولى. بداية من عام 2010، أطاح الربيع العربي بالأنظمة الديكتاتورية الحاكمة لأكثر من دولة كتونس ومصر وليبيا واليمن. المظاهرات والاحتجاجات في سوريا تحولت سريعًا إلى ثورة مسلحة، في حين أنّ العنف الطائفي في العراق تكفل بانقسام الدولة.

في هذا التوقيت بالتحديد ظهرت داعش على السطح مُحاوِلة استغلال فراغ السلطة، واستغلال حالة الاستياء الموجودة وبالطبع السلاح الذى وفرته أميركا للمقاومة في هذا الوقت.

في يونيو/حزيران، انتشرت داعش في أنحاء سوريا، بل واستطاعت السيطرة على ثاني أكبر مدينة عراقية وهي مدينة الموصل معلنة بذلك دولة الخلافة الإسلامية.

لذا كان لتلك المجموعة التي اجتمعت في البنتاغون أدوارًا عدة حيث قاموا بتحديد أكثر من سيناريو للأزمة وما يمكن اتخاذه حين حدوث كل سيناريو.

تراوحت سياسة التعامل مع كل سيناريو بين ما يمكن وصفه بالمُرَوِع والأقل ترويعًا بقليل. قصف داعش في سوريا كان يعني بالتأكيد الحاجة إلى دعم ومعاونة بشار الأسد الذى صنفوه من قبل كدكتاتور. تدعيم مجموعات المقاومة السورية ضد الأسد كان يمثل خطرًا حيث سيَنتج عنه صعود داعش وغيرها من المجموعات المتشددة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. مقاتلة كل من داعش والأسد معًا كان يعنى فتح جبهتين مختلفتين والقتال على كل منهما وربما يعنى مقاتلة طرفي الصراع.

انقسم السياسيون إلى طرفين، أحدهم أراد التدخل القوى في سوريا والدعم غير المحدود لمجموعات المقاومة في مواجهة الأسد، وآخرين انحازوا لرأى الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن حل هذا الصراع ليس عسكريًا.

ولكن برغم ذلك كان هناك من يؤيد الإطاحة بالأسد من خريطة الصراع بشكل كامل، كان أحد المشاركين في اجتماع خاص هدفه تحديد استراتيجية الولايات المتحدة في مواجهة الصراع، كان واحدًا من بين اثنين فقط غير أميركيين حضروا هذا الإجتماع (يرجح بشكل كبير أن الآخر هو السفير البريطاني)، يوسف العتيبة.. سفير دولة الإمارات، الذى عُرِف بتأييده الشديد للتدخل الأميركى الكامل في سوريا.

هذا الأصلع الأنيق، الذى يبلغ من العمر 40 عاما كان شديد الثقة بالنفس، معلنًا بوضوح أن محاولة الابتعاد وعدم التدخل في الصراع هى التي أنتجت داعش وغيرها من المجموعات المتطرفة.

كان عتيبة جاهزًا لمساعدة الولايات المتحدة في مأزقها. في مقابلة خاصة أخرى مع ويندي شيرمان، وهى إحدى كبار مسئولي وزارة الخارجية، تحدث بلهجة قوية قائلًا "طائراتنا من طراز إف 16 جاهزة سيدتي، أخبرينا فقط متى تحتاجون إليها". هكذا تحدث عتيبة وفقًا لأحد الحاضرين ووفقا لتأكيد آخرين علموا بشأن المقابلة.

بعد أيام من اجتماع البنتاغون، قامت سيدة إماراتية جذابة هى مريم المنصوري، والتى تعمل كطيار مقاتل في الجيش الإماراتي، بقيادة ضربات إماراتية على مواقع لتنظيم داعش بالتنسيق مع الولايات المتحدة، كان هذا الأمر ضربة قوية.

"هذا رائع" هكذا عبر جو سكاربرو المذيع التلفزيونى عندما ظهر معه العتيبة في برنامجه الصباحي "مورنينج جو" مؤكدًا هوية الطيار الذى قاد الضربات. كان رد العتيبة عليه "لم يكن ليمكننا فعل ذلك دون مساعدتكم، وكذلك أنتم لم يكن ليمكنكم القيام بذلك بدوننا" مشيرًا إلى الضربات ضد تنظيم داعش. رد عليه سكابرور بإعجابه الشديد بما تم.

في خلال سنوات قليلة، أصبح للعتيبة نفوذًا كبيرًا في العاصمة الأميركية. خلال الكثير من المناسبات، تناول العتيبة عشاءه مع إعلاميين لامعين، أعضاء في الكونغرس وبعض الشخصيات السياسية في مكانه المفضل: فندق فور سيزون في جورج تاون.

"هو لا يبحث عن أحد، الناس هم من يتطلعون لمقابلته" هكذا وصف أحدهم هذه اللقاءات. يعد العتيبة أفضل ضيف على عشاء أحد السياسيين في واشنطن: رجل مسلم يستطيع التحدث بصراحة عن الأزمات السياسية في المنطقة.

يصفه أحد المعاونين الذين عملوا في البيت الأبيض بالدهاء الشديد. يقول: "إنه شخص اجتماعي جدًا في الأحداث والمقابلات، إنه يفهم كيف تسير واشنطن وكيف تسير المنطقة وهو ما تفتقده دول بأكملها. يعلم تمامًا كيف يُجاري الكيانات المختلفة وربما كيف يوقع بينها حينما يحتاج لذلك".

قال عنه أيضًا السيناتور ريتشارد بور رئيس الجمهوريين في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي "لقد قضيت وقتًا مع يوسف ربما يفوق الوقت الذى قضيته مع أي شخص آخر".

اسم عتيبة ليس شائعًا على الإطلاق كبندر بن سلطان على سبيل المثال، والذى تولى منصب السفير السعودي في واشنطن لعدّة عقود ولعب دورًا هاما في توطيد العلاقات بين الخليج بشكل عام وواشنطن.

عتيبة ذاته يعلم مدى صعوبة هذه المقارنة ولكنه بالتأكيد رسم لنفسه طريقة وشخصية مختلفة وجديدة. اشتهر بندر بكونه نابغًا وتبعه في ذلك عتيبة الذى مازال يمتاز بحماس الشباب متفوقًا على بندر في ذلك، يرى ذلك أحد الأشخاص الذين تناولوا العشاء مع عتيبة في قصره. دائمًا ما يعقد عتيبة اجتماعاته في مقهى داخل صالته الرياضية يسمى (The Equinox) والذى يقع في الدور السفلى من نفس المبنى الذى تقع فيه وزارة الخارجية.

فوق كل ذلك، صعود عتيبة القوى كأحد أهم مديري السياسات الخارجية يعكس بشكل كبير كيف غَيّر الربيع العربي موازين القوة التقليدية للسياسة الأميركية تجاه الشرق الأوسط. الحلفاء التقليديين الذين تثق فيهم الولايات المتحدة كمصر والمملكة العربية السعودية لاحظوا تراجع نفوذهم لدى واشنطن مؤخرًا. ظهور أعداء جدد كالدولة الإسلامية ظهر أيضًا على السطح.

مما يظهر مدى التغير الحادث في المنطقة، ذلك التغير الحادث بين العلاقة الأميركية الإيرانية، حيث شكلت إيران من قَبل العدو اللدود في المنطقة للولايات المتحدة، أما الآن فقد بدأ الجليد بينهما في الذوبان مما يُظهر تكون تحالف جديد في المنطقة.

وفي خضم هذه التحولات التاريخية، أصبحت دولة الإمارات والتي يقود عتيبة علاقاتها مع واشنطن حليفًا هامًا بالنسبة للولايات المتحدة بل وأصبح لها تأثيرًا ونفوذًا قويًا على سياسات الولايات المتحدة في المنطقة.

مايكل بيتروزيللو، الذى شغل منصب المتحدث الإعلامي للدبلوماسي السعودي عادل الجبير والذى تحول فيما بعد إلى وزير الخارجية السعودي، يرى أن دور عتيبة لا يمثل النموذج المثالي لمنصب السفير حيث يقول "ما يفهمه عتيبة أن عليه الاقتراب فقط من بعض الشخصيات الهامة في واشنطن، ولكن هذا النهج لم يعد كافيًا، يتوجب عليك كسفير الآن التواجد في الحملات العامة والإعلام والعمل الخيري والبيت الأبيض.. كل ذلك في آن واحد".

♦ ♦ ♦

في النصف قرن الأخير، كان لاكتشاف النفط في منطقة الخليج الأثر الأكبر في تحول الإمارات من مجتمع قَبَلي صحراوي فقير إلى مجتمع ثري بشكل ربما يفوق الخيال. استطاعت الحكومة الإماراتية التحكم في أموال النفط واستثمارها بالشكل الصحيح.

في عام 2006، قامت الشركة الإماراتية (موانئ دبي العالمية) بالاستحواذ على شركة بريطانية كانت تدير موانئ أميركية رئيسية في ذلك الوقت. عملية الإستحواذ تمت الموافقة عليها بواسطة إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش وعندها قامت حملة لرفض عملية البيع قادها السيناتور الأميركي تشاك شومر المنتمي للحزب الديموقراطي في نيويورك.

شومر الذي تطلع في ذلك الوقت إلى منصب رئيس مجلس الشيوخ اتهم دولة الإمارات بكونها دولة راعية للإرهاب وسيئة السمعة. تحدثت شبكة فوكس الإخبارية عن الصفقة ما لا يقل عن 70 مرة خلال فترة بلغت شهرين فقط مما أثر بشكل كبير على جميع السياسيين حيث أصبح الأمر أشبه بالنسبة لهم بأن أسامة بن لادن هو من سيدير هذه الموانئ بعد هذه الصفقة. هيلاري كلينتون، التي شغلت فيما بعد عضوية مجلس الشيوخ وكانت مرشحة محتملة للحزب الديموقراطي للرئاسة في 2008 قادت حملة لمنع أي شركة أجنبية من شراء الموانئ الأميركية. تراجعت الإمارات عن الصفقة في ضربة مُذِلَة.

داومت عائلة زايد آل نهيان التي تحكم دولة الإمارات منذ مدة طويلة على المفاخرة بكونها الشريك العربي المعتدل للولايات المتحدة الأميركية. داخل الحكومة الإماراتية، كان يُنظر إلى مشكلة موانئ دبي العالمية كأزمة حرجة ولكنها كانت فرصة جيدة بالنسبة لعتيبة للظهور.

"من هو الرجل الجديد في المدينة؟ ربما يوسف سيقوم بدعمنا". وتضيف "اشتهر يوسف دائما بكونه مصدرًا سهلًا للحصول على تمويل غير مشروط".

ولد عتيبة في أسرة ثرية تعمل بالتجارة وذات علاقات قوية. كان والده أول وزيرٍ للبترول في الإمارات وكان له ما لا يقل عن 12 ابنا من زوجاته الأربع، بما فيهم أم يوسف مصرية الجنسية. حصل على درجة علمية في الآداب من الجامعة الأميركية بالقاهرة، وفي خلال هذه الفترة استطاع تقديم نفسه لفرانك ويزنر، السفير الأميركي في القاهرة في ذلك الوقت.

يحكى ويزنر عن انبهاره بمدى جدية هذا الفتى في ذلك الوقت "لم يكن يهتم بما يهتم به من هم في مثل عمره كالفتيات والشراب ولعب الكرة، دائمًا ما أراد أن يُعِدَّ نفسه لتلك الحياة التي تنتظره".

بعد تخرجه، وبتشجيع من ويزنر، بدأ عتيبة دراسة العلاقات الدولية في جورج تاون وبعد ذلك التحق بجامعة الدفاع الوطنى في واشنطن. نتج عن هذه الدراسة فهم عتيبة الكامل للولايات المتحدة حتى أن الجميع كانوا ينسون أنّ عتيبة ليس أميركيًا.

في 2008 وَصَفت وثيقة مسربة على ويكيليكس تصرفات عتيبة بكونها مشابهة للسلوك الأميركي وبأنها متماشية تمامًا مع الثقافة والسياسة الأميركية.

في عام 2000، أصبح عتيبة مديرًا للشئون الدولية لولي عهد أبو ظبى محمد بن زايد آل نهيان. يُعد بن زايد مسئولًا عن شئون الدفاع أيضًا في الأمارات بما في ذلك العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة بالإضافة إلى ميزانية تبلغ بلايين الدولارات لشراء السلاح حيث تعد الإمارات أحد أهم عملاء الولايات المتحدة للصفقات العسكرية. أصبح عتيبة هو اليد اليمنى لمحمد بن زايد وأصبح يُمثل وسيلة الاتصال بالجيش الأميركي.

"من أعظم الشخصيات التي استطاع عتيبة الوصول لها بل وفرض نفوذه عليها في بعض الأحيان هو الجنرال أنتونى زيني، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية" كما يقول بريت باين، مراسل الأمن القومى لفوكس نيوز ويضيف: "لقد أصبح مُقربًا لدى الكثير من العسكريين المتقاعدين ذوى المناصب الهامة".

بعد أزمة موانئ دبي العالمية، عمل عتيبة بجِد على زيادة التعاون العسكري بين كل من الإمارات والولايات المتحدة. وفي 2007، باشرت إدارة بوش تنفيذ استراتيجيته بزيادة القوات في المناطق السُّنية في العراق.

عتيبة مع زوجته عبير وهي مهندسة مدنية ولدت في مصر

"قبل أن أتعرف على عتيبة، تم وصفه لي بأنه الرجل الذى يحصل على الجزء الأكبر من ثقة محمد بن زايد بشأن العلاقات الخارجية، وبكونه أحد أذكى الرجال الإماراتيين" يحكي ذلك أحد عملاء الإستخبارات الأميركية والذى عمل بالقرب من عتيبة في هذا الوقت.

كان لعتيبة دور فعال جدًا في رفع مكانة دول أخرى في المنطقة العربية، كما تقول المصادر. أحد أهم إسهاماته كانت إقناع الدول الخليجية الأخرى بدعم الحركات القاتلة للمجموعات الإرهابية (كصحوة الأنبار في ذلك الوقت) وإقناعهم بتحويل التوجه الإستراتيجي إلى أفعال ودعم حقيقي. بدون دعم الدول السُّنية في الخليج، ربما لم تكن لتنجح هذه الخطط الاستراتيجية.

عندما تم سؤال بور، رئيس لجنة الاستخبارات عن دور عتيبة في هذا الأمر أجاب "أظن أنه كان شريكًا فعالًا جدًا، ليس فقط على مستوى الإمارات، ولكن على مستوى الخليج". (رفض عتيبة إجراء مقابلة حول هذا الأمر على الرغم من تأكيد ممثله في واشنطن، ريتشار مينتز أن عتيبة شارك في هذا الأمر ولكنه أضاف ملاحظة بأنه لم يكن مهندس هذه العملية).

في مارس/آذار 2008، تم تعيين عتيبة سفيرًا للإمارات في واشنطن. وعقب وصوله، قام بتعيين إيمي ليتل توماس والتي كانت من بين الأكثر نفوذًا ووصولًا داخل إدارة جورج بوش (وحصلت لاحقًا على منصب مسئولة المراسم بالسفارة الإماراتية). فتحت إيمي لعتيبة كل الأبواب التي احتاج الدخول إليها. ظهر عتيبة بعد ذلك في كل مكان. يصف أحد المتابعين للمشهد الإجتماعي ظهوره في المشهد في واشنطن بالكثيف. هاورد بيرمان، عضو مجلس النواب الأمريكي وعضو الحزب الديموقراطي عمل عن قرب مع عتيبة في اتفاقية للسماح للإمارات بالحصول على مواد نووية من الولايات المتحدة لأغراض سلمية.

تطلبت هذه الاتفاقية دبلوماسيًا ماهرًا حيث بدأت المفاوضات بشأنها منذ إدارة الرئيس بوش ولكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا في عهد إدارة أوباما.

يقول بيرما عن عتيبة "إنه دبلوماسي بارع". مات سبينس، الذي كان مستشارًا لوزارة الدفاع لشئون الشرق الأوسط يقول "كان عتيبة بارعا لسببين رئيسيين: لأنه عندما يتحدث فإنه يمثل حكومته بشكل كامل، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إليه بسهولة".

دخول عتيبة لواشنطن كان مدعومًا بالكامل بمبالغ إماراتية فلكية استثمرتها الإمارات لتحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة، حيث تنفق على علاقاتها الخارجية أكثر من أي حكومة أخرى (بلغ إجمالي الإنفاق 14.2 مليون دولار في 2013). هذا بالإضافة إلى مئات الملايين التي تنفقها الحكومة الإماراتية في العمل الخيري (بلغ إجمالي ما تبرعت به الإمارات لمؤسسة كلينتون فقط قرابة 3 ملايين دولار)، بالإضافة إلى مليار دولار من الاستثمارات في شركات أميركية.

كابوس (موانئ دبي العالمية) وحملة الرفض لاستحواذها على موانئ أميركية رئيسية وتذكير الإمارة الغنية بأسئلة حول سبب إنفاقها مبالغ كبيرة في واشنطن.

عند ظهور شركة آسبين في 2010، قدم عتيبة ملاحظة هامة هي أن الولايات المتحدة هي من المستفيدين من عائدات النفط في الإمارات، على الأقل 10 مليارات قامت الإمارات باستثمارها في مشاريع أميركية هذا العام. إحدى الشركات الأميركية التي تتعامل معها الإمارات قامت بإعداد فيديو يحتوي على لقطات لموانئ دبي العالمية والذي يُظهر مدى الثراء الإماراتي ليُذكِّرهم بمدى أهمية التعاون بين واشنطن والإمارات.

شكلت أزمة موانئ دبي العالمية كابوسًا بالنسبة للإمارات حيث يُذكِّرها دائمًا بالسبب الذي ينفقون من أجله الكثير من الأموال الآن في واشنطن.

منذ وصول عتيبة، قامت الإمارات بالتبرع بمبالغ ضخمة للكثير من مراكز البحوث والمراكز السياسية، بما في ذلك مركز التقدم الأميركي، معهد آسبن، معهد ومنظمة إيست ويست ومركز الدراسات الإستراتيجية والدولية. جميع هذه المؤسسات يديرها ويعمل بها سياسيون منهم من شغلوا أو مُتوقَع أن يشغلوا مناصب سياسية رفيعة في الخارجية الأميركية (اجتماع البنتاغون الذي حضره عتيبة والذي لفت انتباه تقرير واشنطن بوست للدفاع، تم تنظيمه بواسطة جون هامري وهو المدير التنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية).

هذا العام، قام أحد المعاهد البحثية في الإمارات بعقد شراكة مع السفارة السعودية في واشنطن لتأسيس معهد دول الخليج العربي وهو بمثابة خلية تفكير قامت بضم عدد كبير من المسئولين كدارسين وباحثين (يعمل عتيبة حاليًا كمستشار، وكذلك ويزنر كرئيس مجلس إدارة المعهد).

تمثل الإمارات بالنسبة لهذه الشخصيات بابًا كبيرًا للربح بعد الخروج من مناصبهم وترك الحكومة كما يبقي هذا الأمر علاقتهم بالإمارات سليمة كما يقول مسئول حكومي أميركي. ويضيف: "عندما تترك العمل في الحكومة فربما عليك الذهاب إلى الإمارات مرة أو مرتين في الغالب لإلقاء كلمة أو حضور مؤتمر أو أي أمر كهذا".

في أولى سنواته في واشنطن، بدا واضحًا أن عتيبة –تمامًا كمحمد بن زايد- مهتم بأمرين رئيسيين: الكراهية العميقة للإسلام السياسي، وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين، والأمر الآخر هو الموقف تجاه إيران والذي وصفته ويكيليكس "بالقوي والعدواني في بعض الأحيان".

بفضل فهم عتيبة العميق للولايات المتحدة، استطاع ببراعة تفسير السياسة الأميركية وتوصيلها إلى القادة العرب الآخرين. يقول مينتز: "إنه أفضل من يستطيع تفسير مواقف الولايات المتحدة ليس فقط للإمارات ولكن للدول العربية الأخرى".

♦ ♦ ♦

يعقد مجموعة من السيدات ذوات النفوذ القوى في واشنطن مأدبة غداء في نهاية كل عام والتي تصل تكلفتها إلى أرقام باهظة. تجمع هذه المأدبة الكثير من السياسيين والكتاب وسيدات من أصحاب المنظمات الخيرية. دائمًا ما تبحث هذه المجموعة عمّن يدفع ثمن هذه المأدبة، ولدى وصول عتيبة إلى واشنطن، سرعان ما ظهر على رادار هذه المجموعة. إحدى العضوات تذكر أن أحدًا ما سأل: "من هو الرجل الجديد في المدينة؟ ربما يوسف سيقوم بدعمنا". وتضيف "اشتهر يوسف دائما بكونه مصدرًا سهلًا للحصول على تمويل غير مشروط".

عندما يكون عتيبة طرفا في أمر ما، فإنه لا يقبل بأنصاف الحلول. كان عتيبة طرفًا رئيسيًا في حفل جمع تبرعات لأبحاث السرطان في نيويورك والذي ظهر فيه الكثير من الفنانين المشاهير أمثال بيونسيه وأليشيا كيز ولوداكريس.

فاجأ يوسف الجميع أيضًا بالاحتفال بعيد الميلاد الخمسين لجو سكاربورو، الإعلامي الأميركي ومقدم برنامج مورنينج جو، معلنا بذلك تواجده بقوة على ساحة واشنطن وفارضًا نفسه كجزء من قواعد اللعبة الجديدة.

في الربيع المنصرم، كان عتيبة من بين منظمي أحد أهم الحفلات لجمع التبرعات للأطفال المرضى والذي عقد في ريتز كارلتون وشهد تغطية إعلامية كبيرة قادتها شبكة فوكس الإخبارية وهي الشبكة التى لم تكن على وفاق مع حكومة الإمارات وسببت لهم الكثير من المتاعب بسبب حلقة موانئ دبي العالمية.

وصف أحد قدامى المحاربين الحفل قائلًا: "لقد كان أكثر الاحداث التي حضرتها إثارة" حيث احتاج ابنه إلى إجراء جراحة القلب المفتوح وهو مازال طفلًا صغيرًا، كرس الرجل نفسه لجمع التبرعات من أجل ابنه من خلال منظمة الصحة الوطنية للأطفال، ووجد في عتيبة خير ممول لهذه الجراحة. في 2009، تبرعت الإمارات بمبلغ قدرة 150 مليون دولار لمستشفى واشنطن للأطفال. وبعدها بعدة سنوات، احتاج ابن يوسف العتيبة إلى إجراء جراحة دقيقة وقام بإجرائها في هذه المستشفى.

كان ممن حضروا الحفل في 2014 سوزان رايس المستشارة الأميركية للسياسة الخارجية، بالإضافة إلى رام إيمانويل عضو مجلس النواب الأميريكي، وزعيم الإغلبية إيريك كانتور، كل هؤلاء تمت ملاحظتهم برابطات عنق سوداء مع ثوب أبيض وهو الزي الرسمي للحفل. يقول أحد السياسيين الحاضرين والذي كان غاضبًا من الزيّ الأبيض "يبدو الأمر وكأنها غرفة تمتلئ بالعذارى".

في حدث خيري لصالح مستشفى للأطفال، في يناير 2010، جاد جون روبرت بالمديح على عرض عتيبة، "كن شجاعًا واحلق Be Brave and shave" لجمع المال من أجل القضية. يقول روبرت: "قلت له، (يوسف، لا يتوجّب عليك فعل ذلك، لقد منح رجالك 150 مليون دولارًا للمستشفى). إن هذا التبرع يقول الكثير عن هذا الرجل وبلاده. نحن – أعني جميع من هنا الآن – مدينون بشدّة لك يا يوسف."

غنت جنيفر هودسون في الحفل، كما قام الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش وفاريل ويليامز المطرب الشهير بالإشادة بالعمل الذى يقوم به كلًا من عتيبة وباير. تم جمع ما يفوق 10.7 مليون دولار في الحفل بمشاركة الكثير من العاملين في الدفاع الذين تعامل عتيبة معهم كمستشار عسكري لمحمد بن زايد، مثل رايثون (شركة تصنيع طائرات) و لوكهيد مارتين (مجال تكنولوجيا الدفاع) وغيرها من كبرى الشركات والبنوك والعلامات التجارية والكثير من الكيانات الخليجية أيضًا. الشخصيتان الإماراتيتان الأكثر أهمية، محمد بن زايد وزير الخارجية، والشيخ عبد الله بن زايد، قام كل منهما بالتبرع بمبلغ مليون دولار.

في حدث خيري لصالح مستشفى للأطفال، في يناير 2010، جاد جون روبرت بالمديح على عرض عتيبة، "كن شجاعًا واحلق Be Brave and shave" لجمع المال من أجل القضية. يقول روبرت: "قلت له، (يوسف، لا يتوجّب عليك فعل ذلك، لقد منح رجالك 150 مليون دولارًا للمستشفى). إن هذا التبرع يقول الكثير عن هذا الرجل وبلاده. نحن – أعني جميع من هنا الآن – مدينون بشدّة لك يا يوسف."

أحد رموز المجتمع البارزين، تُقيم حفلًا سنويًا مرتبطًا بجمع التبرّعات من أجل تمويل الأبحاث عن الأمراض. قالت إنه أحيانًا تأتي هبات ضخمة مثل هذه بعدما ينقذ المستشفى أحد أبناء فاحشي الثراء.

تقول: "أما السبب الآخر يكون على الأغلب – بعيدًا عن فعل الخير، والمساهمة في الصورة الكبيرة وبلا بلا بلا – هو أنه يمكنك الجلوس في حفل الأطفال، وستجد كل أعضاء الكونغرس، ومجلس الشيوخ، وكل موظفي البيت الأبيض، وسيمكنك حينها إجراء محادثات وإنهاء أمور لم تكن تستطيع إنهاءها قبلًا."

لكن باير يصف عتيبة بأنه "شخص هائل." عندما سُئل لماذا قد تخرج تبرعات مثل هذه من الخليج إلى مستشفى في واشنطن، قال "لا أدري ما الدوافع التي تجعلهم يفعلون ما يفعلون."

عتيبة في منزله في ماكلين، فيرجينيا

يقوم عتيبة أيضًا بدعوة اعضاء من الكونغرس، والعاملين، ومعاونين بالبيت الأبيض، وأصحاب نفوذ آخرين في واشنطن، إلى العشاء في السفارة الإماراتية بشارع فان نيس، أو في منزله، القصر المطل على ضفة نهر البوتوماك بفيرجينيا. المتحدّث باسم البيت الأبيض (جون إرنست) - المخرج المنفذ لبرنامج NBC الشهير Meet the Press، (آرون شوك) – (جوناثان مارتن) من نيويورك تايمز – و(جيسيكا يالين) من CNN، كلّهم سبق لهم تناول العشاء في منزله. قال عتيبة لمجلة (واشنطن لايف) في 2012 أن ضيوفه يأخذون راحتهم في منزله.

"يعني هذا أن سكرتيرًا في مجلس الوزراء يتخّذ خطوات حذرة بالقرب من ألعاب أبنائي، أو أن أدميرالًا يفرك أذن كلابنا، كوكو ومارلي، أو أن ألعب البلياردو مع عضو في الكونجرس."

أحد المراسلين الذين حضروا أحد هذه اللقاءات الخاصة، ذكر أن الصحفيين، كبار السياسيين والموظفين يلتفّون حول عتيبة في حديث موضوعي، إن لم نقل رسميّ، حول السياسة والسياسيين، الحديث الذي يقطعه بين الآن والآخر فولفجانج باك، الطاهي الشهير، ليعلن عن الوجبة القادمة. بعد العشاء، تجمّع الجمع في قبو عتيبة، ربّما أفخم قبو في المنطقة بأسرها، لمشاهدة كرة السلّة.

لهذه الإجتماعات فائدة أخرى أحيانًا، كاختبارات أداء. يقول موظف سابق بالكونغرس: "إن حضر الضيوف وأظهروا تفاعلًا، ما يأتي بعد ذلك هو دعوة للسفر إلى الإمارات."

ينظّم عتيبة رحلة سنوية لأبو ظبي من أجل مشاهدة سباق جائزة (فورميولا وان) الكبرى، الذي يشاهده حوالي نصف مليار حول العالم. من ضمن الضيوف ليز تشيني، الجنرال جون دامبر، أدريان أرشت رجل الأعمال الخيري، وعائلة باير. (يقول باير أنه سافر منفصلًا على نفقته الخاصة، جاعلًا إياها رحلة عمل: أجرى مقابلة مع الشيخ عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي الذي تبرّع بمليون دولار لحفل الأطفال الخيري.)

عتيبة وآيمي باير (وسط) في فورمولا1 أبوظبي خلال عطلة أسبوعية
راؤول فرنانديز، جان ماري فرنانديز، بريت وآيمي باير، نورما رامسي وروس رامسي في سباق فورمولا1 أبو ظبي

هذا العام، سافر معظم الضيوف على طائرة خاصة من طراز 747؛ ما إن هبطت في المطار، نقلتهم سيارات BMW إلى فندق (الإمارات بالاس). على مدار خمسة أيام، استمتع الضيوف بصيد الصقور، عروض للمغنّي )جاي-زي(، وفرقة (ديبيتش مود)، و بالطبع، الفورميولا وان نفسها، بتذاكر ملكية أدخلتهم إلى أرض السباق. معظم من سافروا إلى هنالك يعودون منبهرين. يقول أحدهم: "لديهم حرية في الصحافة، ولكن إلى حدٍ معين. القاعدة الوحيدة هي ألا تنتقد الملكية. ولكن لماذا ستريد إنتقادها أصلًا؟ لقد قابلت السلطان – أو ماذا يسمونه، الأمير. كان رجلًا رائعًا."

"إنه يتحرّك بسرعة للغاية، وبعنف للغاية، وبأموال كثيرة للغاية. ربّما يصبح عمّا قريب شخصًا لا تودّ اصطحابه إلى الحفل."
Photo by Andrew Harrer (Getty Images)

هناك هدف بالطبع لكلّ هذه الإجتماعيات. لقد خلقت ثورات الربيع العربي شقاقًا في دول الخليج. ألقت قطر بثقلها لدعم الثوار، مجادلة أن قمع الإسلام السياسي إستراتيجية مدمّرة. فتحت شبكة قنوات الجزيرة منصاتها للمدافعين عن الإنتفاضات. لكن السعودية والإمارات لم يرحبوا بذلك إطلاقًا. يقول كول بوكنفيلد، المدير القانوني للمشروع الديمقراطي بالشرق الأوسط:

"لقد وضعت قطر رهانها على أنه، في نهاية الإضطرابات، سيصبح الإسلام السياسي هو القوة المهيمنة على المنطقة. لكن الإمارات والسعودية قاوما ذلك، ليقودا نوعًا من الثورة المضادة." رأى عتيبة صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة كخطر وجودي يهدد الإمارات، التي يعتمد رخاءها بالدرجة الأولى على الإستقرار الإقتصادي وقمع أي محاولات للعصيان السياسي. فرانك وايزنر، السفير الأميركي السابق في القاهرة، كان قد كٌلّف بالمساعدة في مفاوضات إسقاط نظام حسني مبارك وإنهاء حكمه. يستعيد وايزنر كم كان عتيبة متشككًا ومرتابًا في الربيع العربي.

"قال يوسف إن الولايات المتحدة يجب أن تكون حريصة قبل أن تعطي التغيّرات في الشرق الأوسط أكبر من حجمها وتسمّيها تغيّرات تخدم حقوق الإنسان. فأنت ما إن تزيل الأيادي القاهرة للحكومات في مصر، تونس وسوريا، سيخرج الكثير من الأشياء، منها الإخوان المسلمون."

بينما كانت الإحتجاجات تتصاعد في مصر، كان عتيبة يدفع البيت الأبيض بقوة لدعم مبارك، بلا بوادر للنجاح. وبعد مجيء الإخوان المسلمين إلى سدّة الحكم بانتخابات ديمقراطية، امتلأ البريد الوارد الخاص بفيل جوردون، مستشار البيت الأبيض لشئون الشرق الأوسط، بخطابات تهاجم الإخوان وداعميهم في قطر بعنف. (رفض جوردون التعليق على ذلك.)

"عندما يتّحد إسرائيل والعرب سويًا على أمر فهي الضربة القاضية، لأن هذا الإتحاد يخرج الأمر من دائرة الأيديولوجية والسياسات. إنه إتحاد قوي للغاية."

"كان يرسل الرسائل الإلكترونية إلى الجميع بصورة آلية. ثق تمامًا أن يوسف، عندما يكون لديه شيء ما يريد قوله، فإن أناسا عديدين في المناصب العليا بوزارة الخارجية والبيت الأبيض سيستمعون لما يقول، في رسائل متشابهة في محتواها، إن لم تكن متماثلة."

يقول مصدر رفيع في السفارة الإسرائيلية: "عندما يتّحد إسرائيل والعرب سويًا على أمر فهي الضربة القاضية، لأن هذا الإتحاد يخرج الأمر من دائرة الأيديولوجية والسياسات. إنه إتحاد قوي للغاية."

في يوليو/تموز 2013، تمت الإطاحة بالرئيس المنتخب المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، بعد مظاهرات واسعة، بانقلاب من عبد الفتاح السيسي، الجنرال الذي هاجم حقوق الإنسان بشراسة تفوق نظام مبارك.

ردًا على ذلك، علقت الولايات المتحدة تسليم شحنات من المعدّات العسكرية التي اشترتها مصر منها. ضغط عتيبة على الولايات المتحدّة بلا كلل من أجل إتمام التسليم حتّى إنهم سمّوه "سفير السيسي" طبقًا لمصادر متعددة ممن كانوا يتلقّون رسائله. وجد عتيبة نفسه مرة أخرى في نفس الجهة مع لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (AIPAC)، التي دفعت لإتمام الصفقة أيضًا. في النهاية، في شهر أبريل/نيسان من ذلك العام، رضخت الولايات المتحدة للأمر الواقع في القاهرة وسمحت للشحنات بالمرور.

في ذات الوقت، ساهم دعم الإمارات للعمليات العسكرية ضد داعش في سوريا في جعلها حليفًا لا غنى عنه للولايات المتحدة. وكما جاء في تقرير الواشنطن بوست الخريف الماضي، فإن عدد الضربات الجوية التي خرجت من قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات يفوق أي موقع عسكري آخر في المنطقة. نفذ الطيارون الإماراتيين عمليات أكثر من أي حليف آخر للولايات المتحدة ضد داعش. نوّه المقال إلى أن الإمارات أفضت بهذه المعلومات إلى الجريدة لقلقها من أن تقلّل الولايات المتحدة من دورها كحليف. نُقل عن عتيبة قوله: "نحن أصدق أصدقائكم في هذا الجزء من العالم."

مالت الإمارات إلى التأكيد على هذه العلاقة الوثيقة مرارًا. في أغسطس/آب 2014، أطلقت الإمارات ومصر غارات سرية في ليبيا لدعم القوات المناهضة للإسلاميين، وهو ما أغضب الولايات المتحدة بشدة. في ديسمبر/كانون الأول، علّقت الإمارات تعاونها مع الولايات المتحدة، معترضة على عدم توفير الولايات المتحدة لخدمات البحث والإنقاذ عن الطيارين العرب الذي يتم إسقاطهم. كثفت الولايات المتّحدة من مجهودها إستجابة لذاك الإعتراض، وعادت المياه إلى مجاريها.

لكن كل هذا يتضاءل بالمقارنة بنجاح دبلوماسي هادئ للإمارات في أروقة التصنيع التقني بالشمال الشرقيّ لأمريكا. شركة مملوكة للإمارات، تسمّى (جلوبال فاوندريز) دخلت في مناقصة بعدة مليارات من الدولارات للاستحواذ على عدة مصانع في نيويورك وفيرمونت.

هذه المصانع هي المسئولة بالكامل عن تجارة تصنيع الإلكترونيات الدقيقة وأشباه الموصّلات، لشركة IBM. كان الاستحواذ من الخطورة والحساسية حتى إنه احتاج إلى تصريح من لجنة الإستثمار الخارجي في الولايات المتحدة، لأن نجاحه يعني أن المتعهد الأوّل لتزويد وزارة الدفاع بأشباه الموصّلات اللازمة للأنظمة الدفاعية، والجوية وأنظمة حكومية تقنيّة أخرى، سيُستبدل بشركة مملوكة لدولة أجنبية.

تمت الموافقة على الصفقة في الثلاثين من يونيو/حزيران، بعد أقل من عقد من نزاع شركة الموانئ الإماراتية (دبي بورتس وورلد)، الذي خسرته الإمارات. لم يغضب أحد في فوكس نيوز، لم يحتجّ أيّ من أعضاء الكونغرس – ولا حتّى عدو الإمارات الأكبر، تشاك شومر، الذي امتدح الصفقة باعتبارها "خبر رائع".

♦ ♦ ♦

في صيف 2010، ظهر عتيبة في (مهرجان أسبن للأفكار) السنويّ. حاوره جيفري غولدبرج، من صحيفة (ذا أتلاتنتيك) على المنصّة، سائلًا إياه عن رأيه في إطلاق الولايات المتحدّة لهجمات على إيران لتعطيل تقدّمها النووي. ردّ عتيبة "بالطبع يجب ذلك، بالطبع." هنا أدرك الجمع أن شيئًا خطيرًا يحدث.

وفي محاولة للتأكد من أن عتيبة لم يقل ذلك بالخطأ، أعاد غولدبرج طرح السؤال عدة مرات، بصيغ مختلفة، وحظي بنفس الإجابة. تصدّرت تصريحات عتيبة نشرات الأخبار العالمية، وطالبت إيران الإمارات بإقالته من منصبه. يستعيد أصدقاؤه هذه اللحظة على أنها "سقطة".

ومع هذا، فإن ما قاله عتيبة في العلن هو ما يتهامس به قادة دول الخليج في السر، كما أكّدت تسريبات ويكيليكس بعدها. لطالما اعتبرت الإمارات إيران التهديد الأكبر لوجودها – فهي القوة الشيعية الكبرى في المنطقة، وعلى بعد 35 ميلًا فقط من دبي، يفصلها مضيق هرمز. أصبحت الإمارات في السنوات الأخيرة أكثر نشاطًا بكثير، سعيًا لتأكيد هذه الصورة عند واشنطن.

برز هذا بوضوح خلال سنوات النزاع حول الإتفاقية النووية الإيرانية. دور إسرائيل وأيباك (AIPAC) معروف في معارضة الإتفاقية، لكن عتيبة لعب دورًا رئيسيًا في إثارة الشكّ حول مجهودات الإدارة الأميركية في التفاعل مع إيران بدلًا من عزلها.

يقول مسئول أميركي رفيع: "إن لديه نفوذًا في قطاعات معينة من الكونغرس، ملقيًا ببذور الشك في تعامل الإدارة الأميركية مع إيران. وهم يشعرون بأن كلامه أقل تحيّزًا لأنه لا يأتي من إسرائيل ولكن من دولة عربية."

أضاف مسئول آخر أن العلاقة بين عتيبة والسفير الإسرائيلي رون درمر وطيدة للغاية. "إنهما يتفقان في كل شيء، ما عدا الشأن الفلسطيني."

هذا العام، دعا درمر عتيبة إلى حضور خطاب نتنياهو في الكونغرس، الذي يتناول الشأن الإيراني، لكن عتيبة أبدى رفضه بسبب حساسية الوضع السياسي في الإمارات. من خلال متحدّث رسمي، نفى عتيبة أن يكون صديقًا شخصيًا لدرمر. وهناك حدود للعلاقة من الناحية الإسرائيلية أيضًا.

عندما التقى نتنياهو بوزيرة الدفاع أشتون كارتر في يوليو/تموز لمناقشة الشأن الإيراني، أبدى نتنياهو تذمّره من تورّط الولايات المتّحدة في بيع أنظمة تسليح متقدمة إلى دول الخليج العربي، طبقًا لتقارير إسرائيلية أكدّتها مصادر في الإدارة الأميركية.

يؤكد المسئول الأميركي أن "الانفراجة في العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج وهمية. إن كانوا أصدقاء حقًا، فليبدأوا بالاعتراف بدولة إسرائيل." عقد أوباما قمّة لمناقشة إتفاقية كامب ديفيد مع قادة دول الخليج (بدا عتيبة مميزًا في بذلته الغربية)، ومنذ ذلك الحين امتنعت الإمارات عن مناهضة الإتفاقية علنًا.

هذا الصيف، دعا الرئيس أوباما عددًا من الصحفيين إلى غرفة روزفلت في البيت الأبيض، من أجل الحوار حول الإتفاقية الإيرانية. في نهاية الحديث، سُئل أوباما حول الإنفاق السياسي غير المتكافئ وكيف لعب دورًا في الجدال الحالي حول الإتفاقية، فإيران محرومة من تكوين لوبي في واشنطن بسبب العقوبات السياسية. ردّ أوباما: "أهلًا بكم في عالمي. نحن مضطرون للاعتماد على شبكات العلاقات المحلية، وقدرتي على مواكبة مجموعة من الحاخامات والتواصل معهم، آملًا أن ينتبهوا إلى ما أقول. أنت تعمل بالأدوات المتوفّرة لديك."

(في وقت لاحق، أخبر أحد مراسلي هافنغتون بوست أوباما بأن هذا السؤال كان الدافع إليه هو سيرة عتيبة، والإنفاق الإماراتي الهائل لمئات الملايين من الدولارات من أجل التأثير على السياسة الخارجية. قال أوباما: "أعرف ذلك، إنه أمر جنوني. نحن نتحدّث عن مجموعة كبيرة من التحدّيات التي تشمل قطاعات عرضيّة واسعة من نظامنا، نجدها واضحة في أساسات الحزب الجمهوري، وفي أنّه إن كان لديك رجل أعمال ثريّ واحد يرعاك فأنت قد دخلت ركب السباق، لا يهمّ مدى حمقك وعدم كفاءتك."

مواقف عتيبة من سوريا وإيران قريبة من سياسات الحزب الجمهوري الخارجية. يقول السيناتور الجمهوري جون ماكين: "إنه يبذل الكثير من أجل توطيد العلاقات بأعضاء الكونغرس. أعتقد أنه يمثّل بلاده بشكل جيد للغاية. إنه ليس مجرّد ممثل عادي لدولة. هذه الدولة حرفيًّا تشنّ حربًا شرسة على تنظيم داعش."

لقد أصبح عتيبة، هذا العام، أكثر انفتاحًا في انتقاده لإدارة أوباما. تواصل المرشح الرئاسي الجمهوري سكوت والكر مع عتيبة من أجل الحديث عن الشرق الأوسط. استند والكر إلى هذا الإجتماع مرارًا ليهاجم أوباما لما أسماه بانفصاله عن الشرق الأوسط.

في الخريف، نشرت مجلة فورين بوليسي هجومًا على سياسات أوباما الخارجية من قبل المحرّر ديفيد روثكوف. بدأ المقال باقتباس من "رجل مفكّر" و "دبلوماسي رفيع من أهمّ دولة حليفة لأميركا في الشرق الأوسط".

قال هذا الرجل عن الولايات المتحدة: "ما زلتِ قوةً كبرى، لكنّك لا تعرفين كيفية التصرف كواحدة." إن كان هناك أي شك عن هوية هذا "الرجل"، فإن عتيبة وزّع نسخًا من العدد فور صدوره بفندق الفور سيزونز، حركة تافهة وصلت على الفور إلى مسامع البيت الأبيض. "كنا نعلم أنّه يوسف" كما قال المسئول الأوّل.

ما زال عتيبة على تواصل مستمر مع وزير الخارجية جون كيري، سوزان رايس. ولكن هجومه على أوباما أثّر على علاقاته. يقول المسئول الأوّل: "هذه هي قطعة الأحجيّة التي يهملها يوسف كثيرًا، وهي أن الشعب الأميركي ليس واشنطن. في الفور سيزونز، لا يختلف أحد حول قصف إيران، وعدم إتمام الاتفاقية، ولكن الكونغرس عليه أن يرضخ في النهاية إلى ضغط الرأي العام."

أحد خبراء السياسة الخارجية صرّح بأنه قلق من أن عتيبة يحاول صناعة "نسخة عربية علمانية من أيباك AIPAC".

"إنه يتحرّك بسرعة للغاية، وبعنف للغاية، وبأموال كثيرة للغاية. ربّما يصبح عمّا قريب شخصًا لا تودّ اصطحابه إلى الحفل."

ويبدو أن نفوذ عتيبة سيستمر في التوغّل. إدارة جمهورية، أو تحت قيادة هيلاري كلينتون، ستشاركه رؤيته المتهوّرة الصاخبة تجاه المنطقة. وكما شرح المعاون السابق بالبيت الأبيض، فإن الإمارات من الأهمية للولايات المتحدّة بحيث لا يمكن للأخيرة أن تغامر بأن يخسر عتيبة وضعه في واشنطن، أيًا كان من سيدخل البيت الأبيض حاكمًا. هذه الايام، النقاشات حول عتيبة في الإدارة تشبه النقاشات حول نيومان في ساينفيلد. يكمل المعاون: "تفتح الجريدة وتقرأ الحوار الذي دار في الكونغرس. تقرأ أن هذا السيناتور قال كذا، وهو ضد الإدارة الأميركية بسبب كذا وكذا وكذا.[ هنا تقول في رأسك: ]يوسف![. أنت تدرك جيدًا أنه مصدر هذا الكلام. وتفكّر في نفسك: ]هذا الرجل ماهر حقًّا."

Credits

Story - Ryan Grim
ريان غريم هو مدير مكتب هافينغتون بوست في واشنطن
Story - Akbar Shahid Ahmed
أكبر شهيد أحمد، هو صحفي في مكتب هافينغتون بوست بواشنطن
Additional reporting - Jessica Schulberg and Ali Watkins
Development - Dan McCarey
SELECT LANGUAGE